د. مختار بنعبدلاوي : ” إن أهمية عملية التجديد التي نقبل عليها تكمن في أنها سوف تتم بوعي و إرادة مجتمعين، و لو بصورة جزئية. و أنها تتم كذلك على أسس إرادية و تداولية، وهو ما يجعل هذا التجديد عميقا، و قابلا للتطور بصورة غير محدودة”.
صدر العدد 34 من مجلة رهانات الصادرة عن مركز مدى للدراسات و الأبحاث الإنسانية، حيث خصص ملف العدد لموضوع تجديد الخطاب الديني. ويفتتح هذا العدد بافتتاحية د. مختار بنعبدلاوي التي تطرق من خلالها لتداخل السياسي و الديني في التاريخ المغربي، متسائلا عن منطلقات و مرتكزات و آليات التجديد الديني.
وفي السياق ذاته، تقدمت د. حياة الدرعي بمقالة في ملف العدد حول مشروع إصلاح المشهد الديني بالمغرب : الفاعلون و الرهانات الذي خلصت من خلاله إلى أن الخطاب الديني عرف تحولات على مستوى الشكل و المضمون، لكنه يظل تحولا لم يستطع خلق تجديد ديني مبني على العقل، وقادر على تنوير المجتمع.
إذا كانت د. حياة الدرعي قد تطرقت لمختلف الفاعلين في الحقل الديني المغربي و رهاناتهم، فإن الباحث بوبكر الونخاري وجه مقاله التحليلي لدراسة مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني من منظور الحركات الإسلامية و الأحزاب السياسية من خلال نماذج حركة التوحيد و الإصلاح و جماعة العدل و الإحسان و حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية. هذه النماذج التحليلية قادته لاستنتاج مفاده أن تدبير الشأن الديني هو تدبير أحادي بلبوس ديني.
بما أن ملف العدد يراهن على تجديد الخطاب الديني، فإن الباحث عبد الإله الكلخة قدم مقالة حول مفهوم الإصلاح الديني : المقومات و الأسس باعتباره المفهوم الجوهري الذي يمكن الخطاب الديني من خلاله إدراك محددات الإصلاح ومساراته، مستحضرا التلازم الكامن بين هذا المفهوم و مفاهيم الحرية و الدولة و المقدس. فخلص في الأخير إلى أن الإصلاح الديني يستوجب التخلص من أدلجة المقدس.
ونظرا للتداخل الكامن بين السياسي و الديني، نجد الباحث عبد الرحمان الشعيري يسلط الضوء على مشروع ميثاق العلماء من خلال قراءة في دلالات و حصيلة ماهية هذا الميثاق القائم على التعبئة السياسية و الأيديولوجية و البيداغوجية، إذ خلص الباحث بعد تفكيك هذه المستويات إلى أن الميثاق نجح إعلاميا و سياسيا في التفعيل النسبي لدور مؤسسة علماء الدولة، كما كان له دور في تسويق النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني في سياق عرف تصاعد مخاطر الإرهاب و التطرف الديني.
و كان التطرف و المشاركة داخل الحقل الديني المغربي هو الموضوع الذي قدمه الباحث زكرياء أكضيض، محاولا مساءلة أثر نمط التدين السلفي على سلوكي التطرف و المشاركة عند السلفية، حيث خلص الباحث في الأخير إلى أن الوعي السلفي متفاعل مع دينامية الحقل الديني و مع تناقضات أنماط التدين في المجتمع. هذا التفاعل المزدوج له أثر على سلوكي المشاركة و التطرف عند السلفية الذي يتخذ طبائع فردية و جماعية في الآن ذاته.
وفي حوار العدد أجرى د. مختار بنعبدلاوي استجوابا مع الكاتب الصحفي و النائب السابق رسول طوسون حول تجربة حزب العدالة و التنمية التركي، إذ وضح المستجوب أن نجاح حزب العدالة و التنمية لا يعود لكونه حزبا إسلاميا، بل لأن حزب تبنى خيار الديمقراطية المحافظة التي عانق من خلالها كل القوميات و الأديان و المذاهب التركية، فلم يكن متمسكا بالتعاليم الدينية لوحدها، بل بحث عن قيم العيش المشترك التي جعلته ممتدا في القاعدة الاجتماعية.
وفي زاوية الدراسات، تقدم الباحث عامر عبد الرؤوف بدراسة حول فكرة إعلان يهودية الدولة و أثرها على مستقبل العملية السلمية، محاولا تتبع تطور مصطلح يهودية الدولة من خلال المواقف الغربية و العربية، موضحا كذلك الآثار السلبية لإعلان يهودية دولة إسرائيل على العلمية السلمية. هذا ما استنتجه في الأخير من خلال تنبؤه بأن عملية السلام سوف تسقط، و بالتالي ستصبح لإسرائيل مطامع مستقبلية في التوسع في حال تجددت فكرة إسرائيل الكبرى.
وخصصت نافذة القراءات لكتاب الإسلاميون في المغرب لصاحبه الأستاذ الجامعي عكاشة بن المصطفى، حيث قام الباحث زكرياء أكضيض بتقديم النماذج التي أوردها صاحب الكتاب من خلال منهج سوسيو- تاريخي مكنه من تتبع الظاهرة الإسلامية في سيرورتها التاريخية من حيث انتقالها من الاحتجاج إلى البحث عن الاندماج و التوسع، مبرزا في الآن ذاته أن إستراتيجية إقصاء الإسلاميين من طرف الدولة و الأحزاب ساهمت في تأخر تطورهم و أعاقت وعيهم بضرورة الاندماج.
وفي السياق ذاته، أعلنت الشاعرة سناء غيلان عن صرختها الشعرية في باب الإبداعات من خلال قصيدة بعنوان صرخة. و تضمن باب المتابعات تقريرا مفصلا عن حادثة شارلي إيبدو : واقع الإقصاء و مبدأ الحق في التعبير من خلال مقاربة متعددة الزاويا. هذه المقاربة المتعددة شارك فيها كل من الباحث رضوان رشدي و الباحث مختار بنعبدلاوي و الباحث محمد الغيلاني.
من إعداد زكرياء اكضيض